تابع
وأنا أرتعد من هلع الخوف وأرتجف من غدي ومن هول المواجهة العصيبة.. واللقاء بأمي .. أمي وحبيبة روحي التي أتشوق إلى رؤيتها وهي لا تعلم ما يضمر لها هذا القلب من حقد وكراهية وانتقام، ما لون القصاص الذي تستحقه عن الجرائم التي اقترفتها بحق زوجها وأبناءها؟ .. أ أطعنها بالسيف أم أهشم رأسها بالفأس؟ ماذا أفعل لو كان أبي هو الجاني؟ ، هل أقدم عليه مثلما أقدم عليها؟ هل أحمل إليه مثلما أحمل إليها من حقد وكراهية أم أصفح عنه؟ أو لم يكن هو الذي قتل شقيقتي وقدمها قرباناً للآلهة ابان الحرب، يالبشاعة هذا الجنس الذي لا يحترم إنسانيته.. من اليسر أن أطوي السماء وأكورها وأقذفها ككرة جوفاء في الهواء... ولم أقدم على أن أخدش وجه أمي بأناملي، وأكون كذلك الغراب الأعور الذي كان ينقر في بقايا أمه الميتة وقت الفجر..
ياه.. أنا مضطرب مما يساورني ومما أروم له، وصراخ الانتقام يغلي في أعماقي ، يصرخ بي، الثأر الثأر ولا زلت أتخبط في ثناياه وأغامر بحياتي من أجله، كسفينة تجوب البحر، يضربها موج غاضب فيغير مجراها صوب الهاوية..لا ، لا لا هاوية لما ابغي، إنا لا أغامر بحياتي من أجل الثأر والانتقام إنما أغامر بها من أجل حق سليب، تلك هي الحقيقة (يرفع رأسه إلى الأعلى وهو يصيخ السمع إلى صوت أجنحة تضرب الهواء) ياللفأل الحسن، فقد طار البوم عن وكنه، والليل لملم ستائره السود وأسفرت السماء وبزغ الفجر الوليد (ينتبه إلى قدوم المربي) ماذا وراءك يا أبتي.
المربي: (يتقمص شخصيته) أخبار سارة يا سيدي، رجالك الأشداء، هزموا الحراس والجند المدججة بالسلاح، وهم الآن يحاصرون القصر ويطبقون عليه وينتظرون الأمر منك.
اورستيس: (يعود إلى شخصيته) ليربضوا في أمكنتهم ويتحصنوا بالحيطة والحذر، أما الآن فجاء دوري سأنقض عليهما وان كانا في المخدع وسأفصل بين الجسدين المتلاصقين بالسيف وأقطع دابر الفحش (يقترب من السرير) قم عنها والق بنفسك إلى جوارها.. لا تتحرك أكثر ولا تتململ (يشير إلى أمه بالسيف) وأنت يا ...كفي عن الصراخ ، لا تصرخي طلباً للنجدة .. أن صراخك لم يجد نفعاً ، القصر محاصر برجال أشداء ، ولا يأتمرون إلا بأمري .. كفى صراخاً من الخجل فأنت امرأة لا تعرف (يصمت بمرارة) هيا اخفي ثمار جسدك الذاوي ولا تتبجحي ببقايا جمال زائل ، ولا تنظري لي ولا تتمعني في وجهي أكثر (يبتعد عنها) كفى كفى لا داعي أن تعرفي من أنا ومن أكون (يلتفت نحوها ) كفاك هراءاً أنا ليس ... أنا الملك اورستيس (يجلس على العرش) أنا القضاء هنا .. لا تنهضي عن مكانك ولا تبكي هيا تكلمي ودافعي عما اقترفتي من جرائم بحق ذلك الوطن الذي أهدم بضربة فأس ... قلت لك كفي عن البكاء والنوح .. لا تبكي أسفا ولا تتوجعي ندماً على إنسان عظيم كانت قيمته لا تساوي عندك لحظة رعشة (يهبط من العرش يقترب منهما) اخرس أيها الرعديد ولا تتحدث من مكانك إلا أن أذن إليك(اليها) هيا قولي ما شئت .. لك حق الدفاع عن نفسك في تورطك بجريمة الرغبة المهزومة عن ساحات الشرف ، بلا إنكار يا ... هيا اعترفي عما فعلتي (يصغي اليها) نعم نعم .. لا تفندي الحقائق وتبرئي نفسك مما ارتكبي ، أولم تكون زوجة قائد جسور وملك عظيم؟ كانت تتمناه كل نساء المملكة إلا أنت .. وكنت أماً (يصمت بمرارة) غامرت بكل ما تملك من أجل شهوة عابرة (يبتعد عن السرير) ليت- اينو- كانت أمي (يشير إليها بيده دون أن يلتفت إليها) لا أنت (يلتفت صوبها) لا تنهضي عن مضجعك عارية ، وأنت في قفص الاتهام .. هيا أرقدي وتكلمي ولا تكذبي .. أنا لا أتهمك بذلك ولا داعي للمراوغة والخداع ولا تنسي نفسك، أنت مازلت نائمة على فراش العهر (يصغي إليها) نعم نعم .. كلامك ليس في محله، انه قول واهن .. لان ابتعاده عنك وانشغاله في شؤون المملكة وتوفير الحماية لها والمحافظة عليها من الأعداء والطامعين هو من صميم واجباته المقدسة ولا يمنحك الابتعاد حق الخيانة أيتها الملكة .. ابحثي عن شيء أخر (يصغي إليها) نعم أعرف أعرف بتلك المأساة التي كانت شقيقتي ضحيتها إنها من صلبه ولا يحق لك أن تنتقمي من اجلها .. ولا تتحدثي عن العدالة ولا تسفهي الأشياء التي لا تعرفينها .. العدالة بريئة مما اقترفتي، العدالة غير ما نكون . كفاك حديثاً عن الأشياء المقدسة وأنبيني عن ضربة الفأس ، هل كان نائماً على السرير أم كان واقفاً هنا أم أثناء دخوله عليك؟ ليس أنت ، إذن من الذي ضربه ؟ (يصغي إليها) هذا الخائن الراقد إلى جنبك كان مختبئاً خلف الستار وفي غفلته ضربه من الخلف (يصرخ به) الاحتجاج مرفوض، أكملي أكملي نعم وسقط على الأرض وهو غارقاً بالدم .. وكيف قضيت ليلتك النشوى بقتله ؟ لا بأس لا بأس لا تجيبي أنت امرأة حرة (يستخدم السيف كالمطرقة يدق به على حافة السرير ) سكوت سكوت (إليه) لا تتحدث مرة أخرى من دون إذن وإلا أضطر إلى إخراجك بهيئتك إلى الملأ (إليها) أكملي . نعم .. وهو الذي غرر بك وأغواك وقتل زوجك (بسخرية ) يا للبراءة .. أن رائحة الفحولة تفوح من بين فخذيك وبه غدرتي، كما غدرتي .. أي امرأة أنت.. كفى كفى. انتهى دورك الآن وعليك أن تخلدي ولا تتحدثي (إليه) أما أنت ماذا تقول عن جرائمك (يصغي إليه) نعم ، اخرس ولا تتبجح بالآلهة نحن لا نتحمل أوزار الأجداد ولا أخطائهم .. وان كان للآلهة حق في ذمتنا ، الأولى بها أن تخذه منا بذاتها ولا ترسل كلابها علينا.. ولكن أنبئني كيف تجرأت واقتربت منها وروضت جسدها لتحقيق مآربك الدنية وجعلت من عواطفها أداة طيعة لنواياك الشريرة، وارتقيت سلم المجد بالخسة والدناءة (يصرخ به ) دعني أكمل وإلا اقطع لسانك وادفن سحره .. أيها القذر، بفعلتك هذه قد تجاوزت المدى.. ولا أقر انك تتحمل أوزار الخطيئة كلها، لأنك أنت الخطيئة بذاتها، ولن أدعك تفلت عن وجه العدالة.. كيف تود الموت؟ أ أضربك بالفأس كما ضربته أم أقتلك بالسيف ؟ ولو إني أود قبل التنفيذ أن أخلع فروة راسك إلا أن هذا الحكم منافي للعدالة ولم يشف غليل القلب ولم يطفأ النار الملتهبة (ينادي) أنت يا من هناك ، اذهب إلى الأميرة على عجل واخبرها أن تهيئ عربة الموت التي تقل جثمانيهما خارج المملكة (يدير جسده نحو السرير) أما أنتما ارتديا ملابسكما وتهيئا لملاقاة ما اقترفتما (يبتعد عنهما) ليخرس صدى الكلمات التي كانت هنا.. كلمات لا معنى لها وليس لها حق البقاء أو التقليد أو التقمص لأنها لن ترتقي بالتغيير .. أنا التغيير والتغيير أنا ، سأنشد أناشيدً كما أهوى وأؤسس مملكة بلا دماء .. لن أتراجع عن قيمي أو انثني عن أناشيدي .. أنا القمة كتلك القمة الشاهقة التي تضربها الريح وينفض عنها الضباب المثمر ويذوب الثلج وتسيل المياه صوب الوادي الأزرق حيث تعيش وتموت الأزهار فيه، والآتين بأشكال أخرى يستعملونها للسكن والتدفئة وصناعة الأحذية .. والقمة تبقى قمة ، يشع منها بريق ناصع الألوان كما لو كان في السماء (يوحي بدخول الشخص) ها ماذا قالت لك الأميرة نعم .. العربة جاهزة أمام القصر ، حسناً حسناً . (بلهجة أمر) تقدم وأوثق يديهما وشد عيونهما بالخرق السود ثم قدهما إلى هناك.
يروي: ولما أكمل ما أمر به ، قادهما إلى العربة وبعد أن جلسا داخلها (يسحب عمودان من الخشب من السرير الذي تحول إلى عربة) وأنا قدت العربة إلى جزيرة- ايايا – (يجرها كالحصان، يدور في الوسط)
اورستيس: (بصوت عال) لا مكان للمجرمين لا مكان للقتلة والسفاحين في المملكة .
(يقف عن الدوران)
اهبطا هنا وعيشا كما تعيش الغربان أو الذئاب عسى أن تتحولا إلى خنزيرين فاسدين.
( يعود بالعربة إلى مكانها .. يبتعد عن السرير يقفز في الهواء ويدور بحركات بطيئة حول الصندوق يفتح بابه ثم يدخل فيه وهو يصرخ) طوبى للأيدي التي لم تلوث بدماء الأبرياء.